روايـــة ظِلُّ القَرار

لَمْ تَكُنِ الحِكايةُ يَوْمًا كِتابًا مَفتوحًا، وَلَمْ تَكُنْ قَصَّةً تَنْبَسِطُ خُطُوطُها بِسَلاسةٍ مِنْ أوَّلِها إلى آخِرِها.
بَلْ كانَتْ ظِلًّا… يَتَقَدَّمُ مَرَّةً، وَيَتَراجَعُ مَرَّاتٍ، يَتَمَدَّدُ عَلى جِدارٍ بَعيدٍ ثُمَّ يَتَلاشَى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُن.

وَفِي كُلِّ ظِلٍّ، كانَ هُناكَ قَرارٌ…
قَرارٌ تَبْدَأُ مِنهُ خُطُوَاتٌ، وَتَنْهارُ بِسَبَبِهِ أُخرى، قَرارٌ يُغيِّرُ بُوصَلَةَ رَجُلٍ، أَوْ يَكسِرُ مُستَقبَلَ غَيرِهِ، أَوْ يُوقِظُ ذاكرَةً سُحِقَت تَحتَ رُكامِ السِّنينِ.

يُقالُ إنَّ البِداياتِ لا تُولَدُ مِن صُدَفَةٍ، بَل تُختار، وربَّما تُساقُ إلينا سوقًا، كَمَنْ يَدفَعُنا إلى بابٍ مَجهولٍ ثُمَّ يَتَوارى.
أَمَّا هَذِهِ الحِكايةُ، فَلَمْ تَكُن لِتَنتَظِرَ أَنْ يَفتَحَ أَحَدٌ بابَها؛
هِيَ الَّتِي طَرَقَتْ…
ثُمَّ دَخَلَت.

بَدَأَتْ فِي قَرْيَةٍ صَغيرَةٍ لا تَعْرِفُ أنَّ اسْمَها سَيَعبُرُ البِحارَ يَوْمًا،
وَامْتَدَّتْ إِلَى بَيتٍ آخَرَ، بَعِيدٍ جِدًّا، عَلَى أطْرافِ بُسْتانٍ دِمَشْقِيٍّ يَنْبُضُ بِالعِطْرِ وَالسُّكونِ.

بَدَأَتْ بِرَجُلٍ يَحمِلُ مَلامِحَ أَرْضٍ غَرِيبَةٍ، وَلُغَةً غَيْرِ مُكتَمِلَةٍ، وَقِصَّةً لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُصَّها كَاِلتِّمامِ.
ثُمَّ انْتَقَلَتْ — كَساقِيَةٍ مَخْفِيَّةٍ — إِلَى صَدْرِ فَتىً لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحمِلُ داخِلَهُ صَدَى زَمَنٍ لَمْ يَعِشْهُ، وَوَجْهًا تَعْرِفُهُ الأَرْضُ الَّتي لَمْ يَرَها قَطّ.

هُناكَ، فِي مَكانٍ ما بَيْنَ هاربوُرغ وَدُوما،
وَبَيْنَ نَهرِ إِلبَه وَغُوطَةِ دِمَشْق،
وُلِدَتِ الحِكايَةُ.

وَمُنْذُ ذلِكَ الحِينِ، صَارَ كُلُّ قَرارٍ يَتَشَعَّبُ كَأَغْصانِ شَجَرَةٍ مَجهولَةٍ،
تُلقِي بِظِلٍّ يَتَمدَّدُ عَلى قَلْبٍ لِهنا، وَعَلى ذاكرةٍ لِهُناك،
حَتّى التَبَسَ الزَّمَنُ بِالزَّمَنِ، وَتَداخَلَتِ الأَسْماءُ بِالأَسْماءِ…

وَفَهِمْنَا مُتَأَخِّرِينَ:
أنَّ الحِكايةَ لا تَتَكَوَّنُ مِنِ الأَحداثِ، بَل مِنَ الظِّلالِ الَّتي تُخلِّفُها تِلكَ الأَحداثُ في الرُّوحِ.
وَأَنَّهُ لَيْسَ هُناكَ قَرارٌ يَمُرُّ عابِرًا…
فَكُلُّ قَرارٍ يَرْسُمُ ظِلًّا،
وَكُلُّ ظِلٍّ يَبْدَأُ بِحِكايَةٍ.

01- الجزء الأول

ظِلُّ القَرار

02- الجزء الثاني

ظِلُّ القرار 02

03- الجزء الثالث

ظل القرار 03

04- الجزء الرابع

05- الجزء الخامس

06- الجزء السادس

07- الجزء السابع

08- الجزء الثامن

09- الجزء التاسع

10- الجزء العاشر